*مدرين المكتومية* 

 شهدت سينما الزمالك 2 مساء أمس عرض فلم كونتيننتال 25  ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46 وهو عمل درامي إنساني يلامس واحدة من أكثر القضايا إيلاما في المجتمعات الحديثة: الفقر، العزلة، والضغوط الاجتماعية التي قد تدفع البعض إلى إنهاء حياتهم لأنهم فعليا مهمشين ولا مكان لهم بين الناس.
يقدم الفلم سرداً عميقاً ومؤثراً عن رجل فقير يعيش حياته على هامش المجتمع لا يملك سوى ما يجمعه من قارورات المياه الفارغة بحثا عن لقمة تسد رمقه، حيث يبدأ العمل بمشهد يرصد جولاته اليومية بين الأماكن النظيفة والملوثة على حد سواء في الشوارع وبجوار الحاويات، وفي الحدائق حيث يبحث بإصرار عن أي شيء قد يدر عليه بعض المال او يجعله قادر على العيش ليوم إضافي.
يعيش الرجل في قبو مهجور تحت أحد المباني رافضا الخروج منه رغم تدهور حالته ورغم رغبة أصحاب المكان بمغادرته كونهم يريدوا ان يعيدوا ترتيب المكان بصورة افضل، فحاول إحدى النساء التي ترتبط معه بموقف إنساني مركب إقناعه بمغادرة المكان لبعض الوقت حتى تتمكن من ترتيب وضعه أو مساعدته غير أنه طلب منها ساعات يكون فيها وحده يرتب فيها حاجيته ليغادر حتى تعود لتتفاجأ عند عودتها بأنه أقدم على الانتحار شنقا مستخدما شريطا معدنيا لينهي معاناته في صمت.
من هنا ينتقل الفلم إلى مرحلة جديدة من السرد حيث يسلط الضوء على معاناة المرأة نفسها وتأنيب الضمير الذي يلاحقها بعد الحادثة لتتحول القصة من مأساة فرد فقير إلى سؤال أكبر حول مسؤولية المجتمع تجاه المهمشين وكيف يمكن لرحيل شخص غير ملاحظ أن يخلف أثراً عميقاً في نفوس من حوله.
تميز كونتيننتال 25 بلغة بصرية واقعية واعتماد كبير على التفاصيل اليومية التي تعكس هشاشة الفقراء والحديث العفوي والشعور بالذنب والبحث عن اي وسيلة لتكفير عن ذلك الذنب، إلى جانب أداء تمثيلي مؤثر يبرز الانكسار الإنساني دون مبالغة.
وقد قدم الفلم رسالة تحرك المشاعر وتفتح باب النقاش حول الظلم الاجتماعي والانسانيات المهدورة، حيث يأتي عرض الفيلم ضمن سعي مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام لإبراز الأعمال التي تتناول القضايا الاجتماعية المعاصرة وتسليط الضوء على الأصوات السينمائية الجديدة التي تلامس الواقع بجرأة وحساسية في آن واحد.